العرضة لون شعبي يهدف قديمًا إلى إثارة حماس المحاربين تحولت بعد استتباب الأمن إلى تعبير عن الفرح

 

للعرضة السعودية حضور بارز في مسيرة تأسيس وتوحيد المملكة العربية السعودية على يد الملك المؤسس عبدالعزيز –رحمه الله- الذي حرص عليها قبل انطلاقه مع جنوده إلى ساحات الوغى والمعارك، وتعد صورة من صور التلاحم الخالدة بين القيادة والشعب يؤديها الرجال، حيث تبعث فيهم روح الحماس، مستعرضين أمام قائدهم بهدف إظهار حب الأرض والوفاء للقائد، وكانت تؤدى في السابق استعداداً للحرب لتهيئة الجنود على أجواء المعركة، وفي ظل استتباب الأمن أصبحت العرضة تعبيراً عن الفرح والسرور في مناسبات العيدين والزواج وغيرها من المناسبات السعيدة. 

والعرضة لون شعبي رجولي متطور يعتمد على التعبير الحركي الجماعي المهيب، وفيه إثارة للحماس قبل بدء المعركة سابقًا ويحاكي صور المعارك قديمًا وبخاصة وسط المعركة حيث المحورب والفرسان والطبول والبيارق والسيوف والشعر الحماسي، وهذا الفن الراقي تطور من عصر لآخر.

يقول الشيخ عبدالله بن خميس: (وكانت العرضة تقام فيما مضى حين كان ملك أو أمير أو شيخ ذو سلطان يستعد لخوض حرب)، فإذا نادى المنادي بالحوربة خرج الناس من كل حارة على وقع الطبول إلى المبرز (مكان التجمع)، ولكن الإيقاع بين الدم والتاك يكون أخف من العرضة حين يكونون في العرضة الاحتفالية، كما أن عرضة المشية تؤدى عند العودة من المعركة.

وقديمًا كانت الحرب والتجهيز لها هي المناسبة الوحيدة للعرضة، بغرض قيام القائد باستعراض جنوده للتأكد من الجاهزية الكاملة لخوض غمار المعركة، ورفع الروح المعنوية للمقاتلين، في أداء مهيب متزن يثير العزائم ويحيي في النفوس مشاعر الشجاعة ولا سيما شجاعة الفرسان، كما أن لها حضور بعد عودة الجنود منتصرين من ساحة الوغى.

وتنقسم العرضة في أدائها إلى مجموعتين، الأولى مجموعة منشدي قصائد الحرب، والثانية مجموعة حملة الطبول، حيث يتوسط حامل العلم صفوف المجموعتين ليبدأ منشدو القصائد في أداء الأبيات وترديدها، ثم يليها الأداء مع قرع الطبول لترتفع السيوف.

المستلزمات المادية للعرضة:

وهناك مجموعة مستلزمات يجب توافرها عند أداء العرضة وهي:

  1. الراية (البيرق):

وهي عبارة عن علم كبير يتوسط صفوف العارضين، وهو رمز للفريق المقاتل، وعلامة لاجتماع وثبات المحاربين أثناء المعركة، ويُعهد بحمله لشخص معين يسمى حامل البيرق ويكون قد ورثه من آبائه وأجداده ويورثه بدوره لأبنائه وأحفاده، باعتباره شرف كبير ومنزلة عالية بين قومه.

ويكون عرضها ثلثي طولها، وفيها الحربة، والرمانة، والسلاسل.

  1. اللباس:

تتميز العرضة بنوع معين من الملابس مستمدة من التراث الشعبي ومنها (البشت)، و(المرودن)، و(الجوخة)، و(الدقلة)، و(السديري)، و(الزبون)، و(الشلحات).

وقد وجدت هذه الملابس مع الوقت اهتمامًا خاصًا يبرز فيه الجانب الجمالي للعرضة، وذلك من ناحية التطريز الراقي، واستخدام الألوان البراقة الزاهية للملابس.

  1. الطبول:

وهي أدوات موسيقية إيقاعية على شكل إطار خشبي دائري مصنوعة من الجلد الذي يغطي جهتي الإطار، والطبول من أدوات الحروب والمعارك في الماضي وتكاد تكون مستعمل في جميع الحضارات للأغراض الحربية بهدف بث الحماس للجنود وإيقاع الرعب للأعداء، حيث تصدر صوتًا قويًا ذا وقع قوي على النفس.

وتعتمد العرضة على إيقاعين هما (التخمير) أو ما يسمى بـ (الدم) وهو قرعتين على الطبل بإيقاع متوسط إلى سريع، والإيقاع الثاني هو (التثليث) أو ما يسمى (التك) وهو ثلاث قرعات يتناوب فيها مع التخمير، وتشبه تلك القرعات وقع أقدام الخيل على الأرض، وتختلف الطبول من حيث الحجم، فطبل التحمير أكبر حجمًا من طبل التثليث.

  1. الأسلحة:

نظرًا لأن العرضة رقصة حربية بالأساس فقد كان وجود الأسلحة فيها ركنًا أساسيًا فيها سواء من حيث الأداء الحركي أو كمكمل للباس العرضة، والسيف هو أهم الأسلحة المستخدمة في العرضة ومنه (المنحني) و(القَرْدة)، ويصنع من الصلب ويكون حفيف الحمل، كما يستعمل الخنجر في الرقصة ويكون من النوع المعقوف ويحتزم به العارض في خصره ضمن حزام يطلق عليه (المجند)، كما يستخدم العارض المسدس (الفرد) ولا يستخدم في حركة العارض بل يكون محفوظًا في حزام جلدي أسود يسمى (بيت الفرد) يضم أنابيب جلدية لحفظ الرصاص الاحتياطي، ويستخدم العارض كذلك البندقية خاصة القديم منها مثل المقمع والفتيل والجفت وأم خمس والمصبع حيث يقوم العارض أثناء العرضة بإطلاق أعيرة نارية سواء باتجاه السماء أو على الأرض.

الحوربة:

وتسمى أيضًا (الحوارب) و(البيشنة) و(الشوباش) وهي أن يلقي شخص من ذوي الأصوات الجهورية الرجولية بصوت عالٍ بيتًا شعريًا واضعًا يديه على أذنية للإعلان عن بداية العرضة وتكون بمثابة دعوة عامة للاشتراك في القتال واجتماع المقاتلين في صفوف العرضة، وحاليًا تكون الحوربة مجرد دعوة للمشاركين للاستعداد لأداء العرضة.

الصفوف:

وهي اصطفاف العارضين لأداء العرضة وهي عبارة عن صفين متقابلين، وقد يصل العدد في الصف الواحد خمسين عارضًا، وهي من أهم ركائز العرضة باعتبارها فنَّا كوراليًا، وأي اختلال في أداء الصف يخل بالعرضة، وعادة ما يمسك العارضون أيدي بعضهم البعض، ويقوم كل صف بترديد جماعي موحد لبيت شعري، يتبعه (النزر) وهو تمايل الصف يمنة ويسرة، ثم يبدأ الشاعر بإلقاء البيت أو الشطر الثاني، بعده يبدأ قرع الطبول لتقوم الصفوف بالتراقص بثني الركب يُمنة ويُسرة وحمل السيوف ورفعها وخفضها بشكل أو وضعها على الكتف في اتساق جماعي تام.

القصيدة:

وهي العنصر المعنوي الذي تجتمع عليه العرضة وعليها تقوم الرقصة، ويغلب عليها غرض الحماسة لارتباطها قديماً بالحروب لتشجيع المحاربين، كما أنها تتطرق لأغراض أخرى كالفخر والوصف ولا تتجاوز في العادة عشرة أبيات من الشعر العامي، وتكون من البحر الطويل أو المتوسط أو القصير، وكانت تلقى من قبل مؤلفها (الشاعر) حيث يُلقي البيت الشعري لتردد بعده صفوف العرضة ذلك البيت وفق لحن معين، وللعرضة شعراء بارزون قديمًا وحديثًا مثل محمد العوني وفهيّد بن دحيّم وناصر العريني وعبدالله الصبي وعبدالرحمن البواردي وغيرهم كثير، وقد أورد قصائدهم الشيخ عبدالله بن خميس في كتابه (أهازيج الحرب أو شعر العرضة)، وقد حفظت قصائد العرضة مقاطع تاريخية لم تكن لتذكر حاليًا لولا تلك القصائد التي حفظتها من النسيان.

الديّر:

وتسمى (السبحة) وتكون في العرضات الرسمية على شكل سبحة يتقدم فيها القائد ويتبعه إخوته وأبناؤه مؤدين حركة واحدة.

الخاتمة:

وتمسى أيضًا بـ (الزمية)، وتأتي في نهاية العرضة، حيث يتجه مؤدو العرضة نحو القائد رافعين سيوفهم إلى القائد مرددين أبياتًا معينة تتضمن الولاء والنصرة له.